غزة/سماح المبحوح:
للشهر الـ21 على التوالي يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي تكبّد الخسائر، سواء بسبب الكمائن والعمليات النوعية التي تنفذها فصائل المقاومة الفلسطينية ضد قواته في قطاع غزة، ردًا على العدوان المتواصل منذ 7 أكتوبر 2023، أو نتيجة الأزمات النفسية التي يعاني منها جنوده ، والتي أدت إلى انتحار عددٍ منهم ، في ظل تعنّت حكومة بنيامين نتنياهو ورفضها التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وتصاعدت حالات الانتحار في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب على قطاع غزّة، إذ كشف بحث مشترك بين جامعة «تل أبيب» و»الجيش» أنّ 12% من الجنود يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، فيما بلغ عدد المنتحرين منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 أكثر من 43 جندياً، ما يعكس أزمة نفسية مُتفاقمة تُهدّد البنية البشرية لـ»الجيش»، وفق «i24NEWS».
وقال الموقع الإسرائيلي إنّ ضريبة الحرب التي تدفعها «إسرائيل» لا تقتصر على القتلى في ساحات القتال، بل تشمل أيضاً الجنود الذين ينهون حياتهم بأنفسهم بعد عودتهم، نتيجة الصدمات النفسية.
وشهد «الجيش» الإسرائيلي 4 حالات انتحار في أقل من أسبوعين، كان آخرها جندي من لواء «النحال» داخل قاعدة في شمال «إسرائيل».
من جانبها، قالت صحيفة هآرتس ، إن معدلات انتحار الجنود الإسرائيليين خلال أداء الخدمة الفعلية في الجيش، يشهد ارتفاعا مقارنة بالسنوات السابقة، مشيرة إلى أن ما لا يقل عن 15 عسكريا إسرائيليا، انتحروا منذ بداية عام 2025 الجاري، فيما انتحر 21 جنديا خلال العام الماضي 2024.
أسباب عدة
المختص بالشأن الإسرائيلي عاهد فروانة رأى أن ازدياد حالات الانتحار بين صفوف جنود وضباط الاحتلال الإسرائيلي خلال المعارك في قطاع غزة أو بعدها يأتي بسبب مواجهتهم رهاقاً عسكرياً وجسدياً متصاعداً، نتيجة طول فترة الخدمة العسكرية التي تجاوزت 21 شهراً منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لدرجة أن عدداً كبيراً من الجنود لم يغادروا الميدان منذ أكثر من 300 يوم.
وقال فروانة خلال حديثه لـ»الاستقلال» إن:» المقاومة الشرسة في غزة، والكمائن التي وقع فيها جنود الاحتلال، تسببت في تفاقهم أزماتهم النفسية، فضلا عن مشاهدة زملائهم أثناء مقتلهم وإصابتهم بفعل عمليات المقاومة».
وأضاف:» بعض الجنود يصابون بعقدة الذنب تجاه الضحايا الذين ارتكبوا جرائم بحقهم، خاصة مع مستويات القتل والإبادة غير المسبوقة بغزة، لذلك يدخلون في صراع نفسي يصعب تجاوزه، ويذهب البعض نحو الانتحار كوسيلة للتخلص من هذه العقدة تجاه الضحايا الذين أقدموا على إبادتهم».
وأشار إلى أنه من أبرز مسببات الانتحار للجنود، حالة الانعزال العاطفي التي يشعرون بها، خصوصا في حالات القتال الطويل، حيث يفقد الجندي القدرة على التواصل مع المجتمع المحيط به، بسبب حالة القتال المتواصل التي عاشها ويبدأ بالانفصال عن محيطه والاعتقاد أن من حوله غير قادرون على فهمه أو إدراك ما مر به، إضافة إلى حالات الانفصال الأسري التي تحصل وممارسة العنف مع العائلة نتيجة التوتر العصبي الدائم، والذي يقود إلى الانتحار».
وشدد على أن الإرهاق المستمر للجنود والنوم غير المنتظم، والخوف الدائم من الموت، يلعب ضغطا هائلا على الجنود، وبحسب الدراسات قد ينفجر هذا الضغط على شك الرغبة في الهروب من الحياة، لافتا إلى ورود شكاوى بالآلاف من الجنود والضباط خاصة الاحتياط من الفترة الطويلة التي يقضونها بالخدمة في بيئة وظروف صعبة، أيضا لاستدعائهم للخدمة والقتال والقتل أثناء المعارك فيما الحريديم يتهربون منها، وهو أحد العوامل المسببة للأزمات النفسية التي تؤدي للانتحار.
وأكد أن أعداد من حاول الانتحار من جنود وضباط الاحتلال تصل بالمئات، حيث تم انقاذهم ، بينما ما تم الإعلان عنهم هم أعداد من توفوا بسبب الانتحار، إذ كشفت إذاعة جيش الاحتلال، عن رفض الرقابة العسكرية، الإفصاح عن عدد حالات الانتحار في صفوفه، رغم مطالبات داخل الكنيست بعقد جلسة طارئة لمناقشة ما وصف بالارتفاع المقلق فيها.
ازدياد الحالات
عدنان الصباح الكاتب والمحلل السياسي أكد أن حالات الانتحار في صفوف جنود وضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي ليست حالات فردية، إنما تأتي نتيجة تطورات الوضع الدي يعيشه جيش الاحتلال خلال خوضهم المعارك سواء في قطاع غزة أو لبنان أو مناطق أخرى.
وأوضح الصباح لـ»الاستقلال» أن ما تربى عليه جنود وضباط الاحتلال من معايير وإلتزام بالقوانين والمعاهدات الدولية وبالأخلاقيات والمحافظة على حقوق الإنسان وأنهم دولة ديمقراطية خلال سنوات طويلة من التدريب في المراكز العسكرية وغيرها، اكتشفوا أن جميعها كذب وسقطت خلال قتالهم وخوضهم المعارك.
وبين أنه حين يطلب من الجنود والضباط قتل الأطفال والنساء ويطبق عليهم قانون «هانيبال» وهو التخلص من الجنود حال وقوعم في الأسر، جميعها أسباب تدفع الجنود والضباط للدخول بأزمات نفسية تصل بهم حد الانتحار والتخلص من ذواتهم بأيديهم.
وأشار إلى عدم قدرة مؤسسات الإرشاد النفسي عن تقديم الخدمة والرعاية النفسية لكثرة الجنود والضباط الذين طلبوا ذلك، أثناء وبعد عودتهم من القتال، فيبقى ما عاشوا من صور للضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير المباني تلاحقهم وتلاحق المحيطين بهم على المدى البعيد، متوقعا ارتفاع نسبة المصابين بالأمراض النفسية وبالتالي ازدياد حالات الانتحار في صفوف جنود وضباط الاحتلال.
التعليقات : 0